Thursday, August 30, 2012

نافذة على دار الجحيم

إن المسلم يعلم أن هذه الحياة تنتهي بالموت، ثم يتقرر مصيره إما إلى الجنة أو النار، ولا شكَّ أن العاقل حريص على أن يكون من أهل الجنة، وألا يكون من أهل النار،والمسلم من سلك طريق الجنة وإن كان صعبًا وشاقًّا، وترك طريق النار وإن كان سهلاً ميسورًا؛ فإن دعاة النار قد شقَّوا على جوانب طريق الجنة الوعر طرقًا فرعية عبَّدوا أولها ليخدعوا الناس، وأقاموا على جوانبها المقاهي والملاهي والمطاعم، وتخرج منها أصوات الموسيقا والغناء؛ يحسبها الجاهل مقاهي ومطاعم حقيقية، وما هي إلا أماكن خادعة أعدت لهدم الدين والأخلاق؛ فمن دخلها خرج منها مفلسًا، خسر الدنيا والآخرة، وربما حمل معه الأمراض وخسر صحته وماله، ومع ما في هذا الطريق من الهمِّ والحزن والضيق والنكد، قد ترى فيه كثرة السالكين ولكن نهايته نار جهنم.
على المسلم أن يقف على أهوال النار ويطول فكره فيها؛ فإن من طال فكره في أهوال النار خاف على نفسه فاتقى الله ووقف عند حدوده وأدَّى فرائضه؛ فقد خلق الله الجنة وجعلها لمن أطاعه ولو كان عبدًا حبشيًّا، وخلق النار وجعلها لمن عصاه ولو كان حرًّا قرشيًّا، وقد ضمن الله لمن خافه في الدنيا أن يؤمِّنه يوم القيامة، ومَنْ أمن الله في الدنيا فارتكب حدوده أخافه الله يوم القيامة؛ ولست أعني بالخوف رقَّة كرقَّة النساء تدمع العين ويرق القلب حال السماع، ثم تنساه عن قرب وتعود إلى لَهْوك ولعبك وعنادك لربِّك، لا ثُمَّ لا؛ ولكن مَنْ خاف شيئًا هرب منه، ومن رجا شيئًا طلبه، فلا ينجيك إلا خوفٌ يمنعك من المعاصي ويحثُّك على فعل الطاعات.
إن النار ليس لأحد صبر عليها، ولا لأحد عليها طاقة ولا قوة؛ فليست مصيبتها كالمصيبات، ولا حُزن أهلها كالأحزان، نبؤها عظيم، وشأنها خطير، وحزنها فظيع، وقعرها بعيد، وحرُّها شديد، وحليها حديد، وشرابها صديد، ولا يغفل عن الفرار منها والتعوذ من عذابها إلا سفيه أحمق خاسر؛ خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
وجهنم – أجارنا الله منها – هي دار العذاب وعالم الشقاء؛ العذاب فيها أنواع متنوعة وصنوف مصنفة، وقد جمع الله فيها من صنوف العذاب وضروب الشقاء ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر.

فيا أيها العاقل عن نفسه المغرور بما في هذه الحياة من ملهيات ومغريات وفتن وشهوات، إن الله جعل النار سجنًا لمن عصاه وتمرَّد على أوامره ونواهيه، وهذا السجن ليس كسجن الدنيا؛ ففي سجن الدنيا تجد الساقي إذا ظمئت، وتجد الراحة إذا تعبت، وتجد الفراش إذا نمت، وتتصل على أهلك إذا اشتقت؛ أما نار جهنم فهيهات هيهات أن تجد الراحة فيها أبدًا؛ فليس فيها شيء من هذا كله ولا ما يقاربه؛ بل يسكنه الله دارًا ضيقة الأرجاء، لا يسمع فيها النداء، ولا يرحم فيها البكاء، وما هم منها بمخرجين.

وإليك بعض ألوان العذاب في هذا السجن لتعرف الفرق بين السجنين، أجارنا الله من جهنَّم وما يقرب إليها من سوء:
كيف يخرجون من قبورهم ويساقون إلى هذا السجن؟ يقول الله تعالى:( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ )[الزمر: 71]؛ فتسوقهم الملائكة رجالاً ونساءً سَوْق الدواب وقطع الغنم زجرًا وضربًا، ولهم بكاء وصراخ وأهوال وغموم وحسرات وزفرات، فلا يدرون إلى أي جهة يتجهون؟ وهذا في الحقيقة صعب على الإنسان أن يُقاد إلى مكان لا يعلم الجهة التي يؤخذ إليها، فإذا وصلوا أمام جهنم وهم فزعون يدفعون فتحت أبوابها السبعة، وزفرت زفرة طيرت عقولهم من رؤوسهم، ثم تلفح وجوههم النار، ويستقبلهم لهبها؛ تصور لو وقفت أمام نار الدنيا وبينك وبينها مسافة ألا تحس بحرارتها؛ فإذا بعُدت منها خفَّت حرارتها، قد يكون بينك وبينها متران أو خمسة أمتار وتجد لفحها، ولكن نار الآخرة تصل حرارتها على بُعد مائة سنة، قال ابن عباس في قوله تعالى:( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) (الفرقان:آ]ة12)قال: من مسيرة مائة عام فتشوي وجهه، فكيف بمن وقف على أبوابها ووقع فيها.
ومن شدَّة حرارتها لا يتقدمون إليها مع أنهم يضربون ضربًا شديدًا؛فتدفعهم الملائكة دعًّا أي دفعًا، فيخرُّ الواحد منهم على وجهه (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ{.[النمل: 90].

وهذا من إهانة الله لأهل النار؛أنهم يكبون على وجوههم في النار؛ لأن أكرم ما في الإنسان وجهه فيكب عليه.
وإذا دخلوا النار يهوي أحدهم آمادًا طويلة حتى يبلغ قعرها: «لو أن حجرًا مثل سبع خلفات ألقي من شفير جهنَّم لهوى سبعين خريفًا لا يبلغ قعرها» رواه ابن أبي شيبة
وهذا يدلنا على عمقها، تصوَّر لو أن شخصًا سقط من طائرة: كم يكون فزعه! فكيف بنار جهنم عندما يسقط فيها! فإذا تكاملوا في تلك الدركات أغلقت عليهم أبواب جهنم: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ)(الهمزة: 8)؛ أي مغلقة.
وإذا أردت أن تعرف درجة حرارة تلك النار فضاعف نار الدنيا (69) ضعفًا؛ ففي الحديث: «إن نارنا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم. قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية قال: فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل حرِّها» [رواه البخاري ومسلم].
وهي نار تأكل كلَّ شيء بإذن ربها، لا تُبقي ولا تذر «ولولا أن نار الدنيا ضربت بماء البحر مرتين ما انتفعتم بها، وإنها لتدعو الله ألا يعيدها فيها». [رواه ابن ماجه]وما ظنُّك بنار «أوقد عليها ألف عام حتى احمرَّت، وألف عام حتى ابيضَّت، وألف عام حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة»[رواه الترمذي].
حياة أهلها فيها }ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى{[الأعلى: 13].فلا موت، ولا حياة كاملة، ولا خروج، ولا يخفف عنهم من عذابها ولو يومًا واحدًا، روى ابن أبي الدنيا عن وهب: «أن أهل النار الذين هم أهلها لا يهتدون ولا ينامون ولا يموتون، يمشون على النار، ويجلسون على النار، ويشربون من صديد النار، ويأكلون من زقوم أهل النار، لحافهم نار، وفرشهم نار، وقمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها يجذبونهم مقبلين ومدبرين، فيسيل صديدهم إلى حفيرة في النار فذلك شرابهم». وقد ورد من طرق صحاح مقطعًا، وقد جعل الله في النار كل مؤذٍ: «كل مؤذ في النار». رواه الخطيب.
وإذا أردت أن تعرف تحفة أهل النار عند دخولهم النار فيتحفون بالأكل من زقوم }هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ{[الواقعة: 56] والنزل هو ما يُعدُّ للضيف.
يقول الحسن: «ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشًا، واحترفت أجوافهم جوعًا، فإذا دخلوا النار فيسقون من عين آنية قد آن حرها، ويأكلون من زقومها».
إذا كان الواحد منا لا يصبر عن الطعام يومًا وليلة فما ظنك بجوع وظمأ يوم القيامة، ألا ترى الناس في الحج والصيف لا يصبرون عن الماء ساعة، ولك أن تتساءل: لماذا ذهبت اللذات في الآخرة عن الكفار والفجار؛ فلا ماء بارد ولا طعام شهي، وحيل بينهم وبين ما يشتهون؛ لأنهم كانوا يأكلون فلا يحمدون الله، ويشربون فلا يشكرون الله، وبعدها يعصونه، فكان الجزاء من جنس العمل.
طعام أهل النار ثلاثة أنواع: الزقوم، والغسلين، والضريع.
الزقوم وهي شجرة طلعها كأنه رءوس الشياطين، ولمَّا أخبرنا الله في كتابه بأنها شجرة تنبت في أصل الجحيم ضجَّ الكفار بالإنكار فقالوا: شجرة في النار ولا تحترق، والنار تحرق الشجر، فكيف تنبت فيها؟ يقول الله:( إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ . إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) [الصافات: 63، 64]. ثمرها مذاقه مُر شديد المرارة يغص في الحلق، ومن خواصه أنه يغلي في البطون كغلي الماء؛ فهو شبيه بالجير الذي إن صب عليه الماء فار وغلى }إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الأَثِيمِ . كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ . كَغَلْيِ الْحَمِيمِ{.[الدخان: 43-46].
وإذا كان الطعام في الدنيا يغلي في القدور فطعام أهل النار يغلي في البطون، ولا يكون في ناحية من البطن؛ بل تمتلئ به البطون }فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ{.[الصافات: 66].

 الغسلين عصارة أهل النار من قيح وصديد وعرق وما يخرج من فروج الزناة، وما يسيل من لعاب شاربي الخموروالمغتابين والكذابين، وقائلي الباطل، وشاهدي الزور }وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ . لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ{[الحاقة: 36، 37].
الضريع هو شيء يكون في النار يشبه الشوك أَمرُّ من الصبَّار، وأنتن من الجيفة، وأشد حرًّا من النار، سماه الله الضريع، إذا طعمه صاحبه لا يدخل البطن ولا يرتفع إلى الفم؛ فيبقى بين ذلك، فإذا أكل ذلك الطعام غصَّ في نحره، يقول الله }وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ{[المزمل: 13]؛لا يغني ولا يسمن من جوع، وكيف يَسمن مَنْ كان طعامه الشوك؟ وينشب في حلقه فلا يسيغه إلا بالحميم، فيسبب له إسهالاً فظيعًا، فلا يسمن ولا يغنيه من الجوع.

فألم الجوع وألم الطعام في نار جهنم عذابٌ فوق العذاب، ومتى يكون ذلك؟ عندما يلقي الله على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام فيغاثون بالضريع.
أما شرابهم؛ فيطلبون الماء البارد، فيغاثون بماء كالمهل يغلي في البطون، ومن شدة حرِّه أنه إذا قرب الوجه منه سقطت فروة الوجه في الإناء فيدفعه ولا يريد أن يشربه، فتضربه الملائكة بمقامع من حديد، ويصب من فوق رأسه، ويقال له: }ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ{ [الدخان: 49].
فإذا نزل بطنه قطَّع أمعاءه من شدة حرارته:( فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) (الصافات:66)
فيجد ألمه من الداخل ومن الخارج:}إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{[إبراهيم: 7].

أما مشارب أهل النار فالحميم والصديد والمهل وماء نهر الغوطة.
أما الحميم فماء حار يجري من عين آنية، ومن خواصه أنه يصهر به ما في بطونهم، ويقطع أمعاءهم.
أما الماء الصديد فهو ماء كدر يحوي كميات من الصديد يغص به شاربه حتى لا يكاد يسيغه، ويعاني شاربه منه الآلام، يقول الله تعالى:}مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ.يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ{[إبراهيم: 16، 17].
أما المهل فهو ماء ثخين حارٌّ حتى لكأنه النحاس المذاب بحيث إذا أدناه من فمه ليشربه، شوت حرارته جلد وجهه: }وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ{ [الكهف: 29].
أما نهر الغوطة فهو بمنزلة الأوساخ والأقذار والنتن في الدنيا؛ ماء متجمع يسيل من فروج الزواني من النساء، سئل عنه r فقال: «نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم». [رواه أحمد].
أما لباس أهل النار فلباسهم من نحاس، وسرابيلهم من قطران؛ أي نحاس، وتُقطع لهم ثياب من نار، يقول إبراهيم التيمي: سبحان من خلق من النار ثيابًا }فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ{[الحج: 19].

 وتصوَّر لو أنك لبست ثوبًا من الصوف في الحرِّ الشديد ماذا تجد؟ تجد حرجًا وضيقًا؛ فكيف باللباس من النار؟!
أما فرشهم فهي من نار: }لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ{[الأعراف: 41]،تصور لو أنك تنام على فراش من جمر كيف يكون حالك؟!

وعلى كل حالٍ:الطعام نار، والشراب نار، واللباس نار، والنعال نار، والفراش نار، واللحاف نار، والمسكن نار، لماذا كل هذا؟! لأنه أكل، وشرب، ولبس، وافترش، وتنعم بنعم الله، فلم يشكرها، ولم يستعن بها على طاعة الله؛ فكل لقمة وشربة يحاسب عليها: }وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ [البقرة: 211]، وأما المؤمن فيثاب على كل حسنة في الدنيا والآخرة.
أخرج الإمام البزار عن فاطمة رضي الله عنهامرفوعًا: «شرارأمتي الذين غذوا بالنعيم،يأكلون ألوان الطعام،ويشربون ألوان الشراب،ويلبسون ألوان الثياب، أولئك شرار الخلق عند الله» وسنده حسن.
ويوجد في النار الروائح المنتنة؛ تصور أنك في مكان منتن الرائحة، كيف يكون حالك؟ ففي الحديث: «وإن ريح فروج أهل الزنا ليؤذي أهل النار»( الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1438خلاصة حكم المحدث: ضعيف) ، مع ما هم فيه من الأذى والعذاب
أما غيث أهل النار: فعندما يسألون الغيث لما بهم من العطش وشدة الحر تظهر لهم سحابة سوداء فيظنون أنهم يمطرون مطرًا، فتقول لهم: ماذا تريدون أن أمطركم؟ فيقولون: ماء، فتمطرهم حيات وعقارب كأمثال البغال، فتلدغ الواحد منهم اللدغة يجد حموتها أربعين خريفًا، تهري لحمه هريًا.
وفي هذه الدنيا مشاهد مفسرة لما في الآخرة؛ لو أن أدبيرًا لسع رجلاً لرأيته يتلوى من شدة حموتها، وترى هذا الأمر لا يتجاوز دقيقة، فكيف بأربعين سنة يجد حموة وسُمِّية تلك العقارب والحيات! نعم، حيات وعقارب الدنيا تشارك حيات وعقارب الآخرة في الاسم وتخالفها في الكيف؛ فحيات وعقارب الآخرة كالبغال الضخمة، غزيرة السمِّ؛ بخلاف عقارب وحيات الدنيا، وحيات وعقارب النار تؤذي أهل النار بلسعها وسُمِّها، ولا تتأذى هي بنار جهنم مع قوة إحراقها، وحيات وعقارب الدنيا تموت بنار الدنيا؛ فلا تستغرب أبدًا وجود حياة ناهشة ولا عقارب لاذعة في نار جهنم.

ثم تأتي سحابة حمراء فتقول: ماذا تريدون أن أمطركم؟ فيقولون: ماء، فتمطرهم سلاسل وأغلال إلى أغلالهم، نسأل الله العافية؛ لأن من لوازم العذاب الشديدة عادة السلاسل والأغلال، حتى إنه ورد أن الله إذا قال للكافر: خذوه.
ابتدره مائة ألف ملك يتخطفونه إلى نار جهنم.
وإذا أردت أن تعرف شدة زمهرير جهنم فشيء لا يطاق ولا يوصف، يقول ابن عباس: «يستغيث أهل النار من الحرِّ فيغاثون بريح باردة، يصدع العظام بردها، حتى يتميز الكافر من بردها»؛ أي يتقطع، وقد جعل الله في هذه الدنيا ما يذكر بحرِّ وبرد جهنم؛ فهناك أماكن مفرطة الحر، وهناك أماكن مفرطة البرد، وكلها تذكِّر بعذاب الله لمن كان له قلب.
أما أكثر أهل النار من عصاة الموحدين فهم النساء، ففي الحديث: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء والأغنياء»[رواه أحمد]. ورود عند مسلم: «أقل ساكني الجنة النساء».

  والسبب لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، ولنقص عقولهن ودينهن وسرعة انخداعهن بالدنيا.
ومن هنا نحذر النساء من ثلاثة أمور شاعت وذاعت في هذه الأيام:

1- ترك الحجاب وشعور البعض منهن بأنها كالرجال، يقول الله تعالى:(وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)[آل عمران: 36]. وقد ذكرت إحدى المغسِّلات للموتى أنها رأت سوادًا حول العينين مكان النقاب لنساء عدة، فدعوا أيتها النساء النقاب الذي ينقب القلوب.

2- التبرج في اللباس، ويكون بلبس الضيق من الثياب، أو بلبس الشفاف منه، أو شقه من القدم إلى منتصف الفخذ، أو كشف الظهر أو البطن؛ إلى غير ذلك من المناظر المزرية التي تجعل المتبرجة نصف عارية، وفي الحديث: «العنوهنَّ فإنهن ملعونات» [رواه أحمد].
3- تغيير خلق الله؛ بنتف الحاجبين وتقشير الوجه أو تضخيم الشفتين أو الأرداف أو الصدر بواسطة عمليات جراحية، أو تشقير الشعر لغير حاجة، أو لبس العدسات الملونة«وقد لعن رسول الله r المتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله» (
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 1631خلاصة حكم المحدث: صحيح )وتأمل معي قوله: «المتفلجات للحسن»؛ أي طلبًا للجمال، لعنهن النبي r؛ لأن البعض من النساء إذا نصحت قالت: أتجمل لزوجي، يقول الله تعالى:}فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [النور: 63].

ومع هذا كله ففيهن صالحات كثيرة، وفيهن من يسبقن كثيرًا من الرجال بإيمانهن وأعمالهنَّ الصالحة.

أما بشاعة الكافر وضخامته في النار وقبح منظره فشيء عظيم يبهر العقول ويحزن القلوب، نسأل الله أن يدخلنا الجنة بغير سابقة حساب ولا عذاب، يقول r: «ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وغلظ جلده أربعون ذراعًا بذراع الجبار»[رواه أحمد والبزار]وعندمسلم:«ضرس الكافر مثل أُحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث». وهذا التغليظ لجسمه ليزداد عذابه وآلامه.
يُفاجأ أهل الموقف يوم القيامة بظاهرة غريبة؛ وهي: بروز جهنم؛ حيث يجاء بها وهي تجرُّ بالأزمة، تجرُّ كما تجرُّ القاطرة، ولها تغيُّظ وزفير، ولك أن تتخيَّل عظم هذه النار، المخلوق الرهيب التي تأتي يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك. [رواه مسلم].
ولا شك أن هذا العدد الهائل من الملائكة الأشداء الأقوياء لا يعلم مدى قوتهم إلا الله، وإذا كانت هذه النار لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فيكون عددهم أربعة ملايين وتسعمائة ألف ملك يجرونها، وفوق هذا يقول الله تعالى: }عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ{[التحريم: 6]؛ فالملك الواحد يملك من القوة ما يواجه به البشر، ولهذا دكَّ جبريل u قرى لوط بطرف جناحه وهم ستمائة ألف بقُراهم ودوابهم؛ فجعل عاليها سافلها؛ فدلَّ هذا العدد الهائل من الملائكة الذين يجرون النار أنها مخلوق عظيم، نسأل الله العافية والسلامة.
أما أعظم عذاب أهل النار فهو حجابهم عن الله، وإبعادهم عنه، وإعراضه عنهم، وسخطه عليهم: }كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ.ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ.ثُمَّ يُقَالُ هَذَاالَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ{[المطففين: 15-17]؛فذكرثلاثة أنواع من العذاب: حجابهم، وصليهم، وتوبيخهم.
أما مكان النار فقال ابن كثير: سِجِّين تحت الأرض السابعة.
طلبات أهل النار في النار:
1- قالوا: }وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ{. [فاطر: 37]؛فكان العمل الصالح هو أول مطلب لهم بعد أن كان أكره ما يكون لديهم في الدنيا، فيأتيهم الجواب: }أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَايَتَذَكَّرُفِيهِ مَنْ تَذَكَّرَوَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوافَمَالِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ{[فاطر: 37]

2- نداء الخزنة؛ قالوا: }}لِخَزَنَةِجَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّايَوْمًامِنَ الْعَذَابِ{ [غافر: 49]، فيأتيهم الجواب:}أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ{ [غافر: 50].
3- نداء مالك خازن النار: }وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَارَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ{[الزخرف: 77، 78].
4- يرى أهل النار أقاربهم في الجنة فيظنون أنهم يشفقون عليهم فينادونهم: }أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ{؛ فيأتي الجواب:}إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ{الأعراف: 25].
5- نداء أهل النار:( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ)(المومنؤن:106)
،فيأتي الجواب:( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108))(المومنؤن)

،ولو قيل لرجل: اخسأ. لوجد في نفسه، فكيف وهذا الجواب من ربِّ العالمين!

نخلص من كلِّ ما تقدم إلى أن الله جمع لأهل النار ما بين العذاب النفسي والبدني؛ فعذاب البدن بالنار، وعذاب النفس بالتوبيخ والإهانة، فما بقي إلا أن نقول: إن البر لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، اعمل ما شئت فأنت مجزي به.

No comments:

Post a Comment