قصة أول هدية في التاريخ :
( هات .. حاضر )
للكاتب الساخر الكبير / على سالم
_ في عصر سحيق من عصور ماقبل التاريخ ، بل و قبل ذلك بكثير ، قبل اختراع الكلمات أو اي شئ آخر .. حدثت هذه الحكاية التي لا يوجد دليل قاطع على حدوثها .. و إن كنا نجزم بحدوثها بفضل الاطلاع الدائم على الحفريات القديمة و الرسوم البدائية التي خطّها الإنسان الأول على جدران الكهوف بالإضافة لتفكيرنا المستمر في أحوال البشر ، و دراسة سلوكهم عن قرب و عن بعد ..
إنها قصة أول هدية قدمها رجل لامرأة .. و لما كان من الخطأ أن نطلق على بطلنا اسما محدداً ، لذلك من الأفضل أن نسميه " عااااا " فقد كان يصدر صوتاً شبيهاً بهذا المقطع عندما كان يشعر بالخوف أو الجوع أو بأي انفعالات أخرى ..
أما هي فمن الممكن أن نسميها " هااااا " لنفس السبب .. و كان الكهف الذي يعيشان فيه على أطراف الغابة .. قريباً من نبع مياه عذبة .. و يبعد البحر مسيرة نصف نهار تقريباً ..
كان " عااااا " هائل الحجم قوياً ، مفتول العضلات ، يستطيع القضاء على ثور بري بضربة واحدة من قبضة يده .. و كان جسمه يتسم بدرجة عالية من المرونة و خفة الحركة مما ساعده كثيراً على تسلق الأشجار في خفة و سرعة في الوقت المناسب للهروب من أسود الغابة و نمورها ..
و كانت " هااااا " جميلة بمقاييس ذلك الوقت .. فقد كان شعرها الطويل الاسود بلون الليل يغطي رأساها و وجهها و جسمها كله .. كانا يتجولان في الغابة طوال النهار .. يتسلقان الأشجار ، و يقطعان الثمار ، و يطاردان الأرانب البرية أو الأوز المتوحشة ، أو يستلقيان على شاطئ البحر في استرخاء .. ثم يعودان إلى الكهف فيدخلانه ، و يسدّان الباب بصخرة تمنع التراب و اقتراب الحيوانات المتوحشة .
هذا بفرض أنه كانت هناك حيوانات أكثر منها توحشاً .. و في الكهف - طبقاً لأقوال بعض العلماء - كانا يقضيان لحظات طيبة ..
و ذات يوم ، لاحظ " عااااا " أن " هااااا " تعامله بشكل فيه نفور و جفاء ، و تحرمه من اللحظات الطيبة بل و تصرخ في وجهه ببعض الأصوات الغريبة التي تمت ترجمتها فيما بعد على النحو التالي :
- " روح إلهي أسد ياكلك " ..
حاول أن يخضعها بالعنف ففوجئ بها توجه لكمة هائلة إلى فكه أوجعته بشدة و جعلته يمضغ الثمار بصعوبة من فرط الألم .. و اكتشف صاحبنا اكتشافه الأول المهم ، القوة لن تجدي ، فهي قوية مثله تماماً ..
ظن أنها جائعة فأسرع إلى الغابة و اصطاد غزالة سمينة ، و جاء بها و ألقاها تحت قدميها . و لكنها نظرت له باحتقار و استياء ، فقد اصطادت لتوها غزالة أكبر حجماً .
لم يشعر باليأس ، ذهب إلى شاطئ البحر ، و استلقى على الرمال و أخذ يفكر ، لا بد أن يفعل من أجلها شيئا مبهراً لم يفعله من قبل ..
و فجأة جاءته الفكرة فيما يشبه الإلهام ، فعاد مسرعاً إلى الغابة ..
أمسك بحجر مدبب ذي حواف حادة .. و اختبأ بين الأغصان الكثيفة فوق شجرة عالية .. جعل من نفسه طعماً بشرياً ، فهو يعلم أن النمر سيأتي حتماً عندما يشم رائحته ..
و بالفعل جاء النمر متشمماً ، باحثاً عنه .. عند ذلك بسرعة خاطفة و في تصويب محكم قذف النمر بالحجر فمات على الفور بعد أن تهشم رأسه ..
نزل صاحبنا و بدا يسلخ جلد النمر ، ثم أخذ الجلد إلى البحر و غسله بقوة و دعكه بالرمال و الملح ثم نشره على الرمال الساخنة ، ثم عاد إلى الكهف فوجدها تجلس أمامه و قد أوقدت ناراً ..
فوجئت " هااااا " بالمنظر و أخذت تنظر لجلد النمر باستغراب .. عند ذلك اقترب منها ووضع جلد النمر على جسمها في حنان .. فيما بعد قال علماء الأجناس و التحليل النفسي ، و قلت أنا أيضاً إنه كان يريد أن يقول لها :
- أنت قوية و جميلة مثل النمر .. و أنا أخشاك مثلما أخشاه ..
بعد ذلك اصطحبها إلى بركة مياه قريبة ليريها شكلها الجديد منعكساً على صفحة الماء ..
لم يكن " عااااا " يدرك أن هديته سوف يكون لها كل هذا التأثير المدهش على سلوك " هااااا " تجاهه .. لقد بدأت تعامله بشكل جميل لم يعهده من قبل ، و منذ تلك اللحظة تغير سلوك صاحبنا تماماً ، بدأ يقتل الحيوانات و الزواحف ليسلخها و يعود بجلودها إلى " هااااا "
و بذلك بدأت أولى أنواع الملابس و الأحذية و الحقائب في الظهور ، و استمرت حتى الان .. بعد ذلك بدأت مرحلة الاكسسوار ، بدأ يفكر في تزيين تلك الجلود و أنياب الحيوانت المتوحشة يصنع منها عقوداً و حلقاً ، إلخ ..
و الآن .. صاحبنا عرف طعم السعادة .. لذلك بدأ يكتشف بقية الحروف و خاصة حرف الضاد و الراء و أضافها لصيحته فأصبحت " عاااااضر " ..
ثم اختفت العين فأصبحت حا .. و بدأ يقول لها دائما : " حاااااضر "
أما هي .. فقد اكتشفت حرف التاء فأصبح اسمها : " هااااات " ..
و منذ تلك اللحظة تلخصت العلاقة بينهما في كلتا الكلمتين الخالدتين :
- " هات ..
- " حاضر " ..!
( هات .. حاضر )
للكاتب الساخر الكبير / على سالم
_ في عصر سحيق من عصور ماقبل التاريخ ، بل و قبل ذلك بكثير ، قبل اختراع الكلمات أو اي شئ آخر .. حدثت هذه الحكاية التي لا يوجد دليل قاطع على حدوثها .. و إن كنا نجزم بحدوثها بفضل الاطلاع الدائم على الحفريات القديمة و الرسوم البدائية التي خطّها الإنسان الأول على جدران الكهوف بالإضافة لتفكيرنا المستمر في أحوال البشر ، و دراسة سلوكهم عن قرب و عن بعد ..
إنها قصة أول هدية قدمها رجل لامرأة .. و لما كان من الخطأ أن نطلق على بطلنا اسما محدداً ، لذلك من الأفضل أن نسميه " عااااا " فقد كان يصدر صوتاً شبيهاً بهذا المقطع عندما كان يشعر بالخوف أو الجوع أو بأي انفعالات أخرى ..
أما هي فمن الممكن أن نسميها " هااااا " لنفس السبب .. و كان الكهف الذي يعيشان فيه على أطراف الغابة .. قريباً من نبع مياه عذبة .. و يبعد البحر مسيرة نصف نهار تقريباً ..
كان " عااااا " هائل الحجم قوياً ، مفتول العضلات ، يستطيع القضاء على ثور بري بضربة واحدة من قبضة يده .. و كان جسمه يتسم بدرجة عالية من المرونة و خفة الحركة مما ساعده كثيراً على تسلق الأشجار في خفة و سرعة في الوقت المناسب للهروب من أسود الغابة و نمورها ..
و كانت " هااااا " جميلة بمقاييس ذلك الوقت .. فقد كان شعرها الطويل الاسود بلون الليل يغطي رأساها و وجهها و جسمها كله .. كانا يتجولان في الغابة طوال النهار .. يتسلقان الأشجار ، و يقطعان الثمار ، و يطاردان الأرانب البرية أو الأوز المتوحشة ، أو يستلقيان على شاطئ البحر في استرخاء .. ثم يعودان إلى الكهف فيدخلانه ، و يسدّان الباب بصخرة تمنع التراب و اقتراب الحيوانات المتوحشة .
هذا بفرض أنه كانت هناك حيوانات أكثر منها توحشاً .. و في الكهف - طبقاً لأقوال بعض العلماء - كانا يقضيان لحظات طيبة ..
و ذات يوم ، لاحظ " عااااا " أن " هااااا " تعامله بشكل فيه نفور و جفاء ، و تحرمه من اللحظات الطيبة بل و تصرخ في وجهه ببعض الأصوات الغريبة التي تمت ترجمتها فيما بعد على النحو التالي :
- " روح إلهي أسد ياكلك " ..
حاول أن يخضعها بالعنف ففوجئ بها توجه لكمة هائلة إلى فكه أوجعته بشدة و جعلته يمضغ الثمار بصعوبة من فرط الألم .. و اكتشف صاحبنا اكتشافه الأول المهم ، القوة لن تجدي ، فهي قوية مثله تماماً ..
ظن أنها جائعة فأسرع إلى الغابة و اصطاد غزالة سمينة ، و جاء بها و ألقاها تحت قدميها . و لكنها نظرت له باحتقار و استياء ، فقد اصطادت لتوها غزالة أكبر حجماً .
لم يشعر باليأس ، ذهب إلى شاطئ البحر ، و استلقى على الرمال و أخذ يفكر ، لا بد أن يفعل من أجلها شيئا مبهراً لم يفعله من قبل ..
و فجأة جاءته الفكرة فيما يشبه الإلهام ، فعاد مسرعاً إلى الغابة ..
أمسك بحجر مدبب ذي حواف حادة .. و اختبأ بين الأغصان الكثيفة فوق شجرة عالية .. جعل من نفسه طعماً بشرياً ، فهو يعلم أن النمر سيأتي حتماً عندما يشم رائحته ..
و بالفعل جاء النمر متشمماً ، باحثاً عنه .. عند ذلك بسرعة خاطفة و في تصويب محكم قذف النمر بالحجر فمات على الفور بعد أن تهشم رأسه ..
نزل صاحبنا و بدا يسلخ جلد النمر ، ثم أخذ الجلد إلى البحر و غسله بقوة و دعكه بالرمال و الملح ثم نشره على الرمال الساخنة ، ثم عاد إلى الكهف فوجدها تجلس أمامه و قد أوقدت ناراً ..
فوجئت " هااااا " بالمنظر و أخذت تنظر لجلد النمر باستغراب .. عند ذلك اقترب منها ووضع جلد النمر على جسمها في حنان .. فيما بعد قال علماء الأجناس و التحليل النفسي ، و قلت أنا أيضاً إنه كان يريد أن يقول لها :
- أنت قوية و جميلة مثل النمر .. و أنا أخشاك مثلما أخشاه ..
بعد ذلك اصطحبها إلى بركة مياه قريبة ليريها شكلها الجديد منعكساً على صفحة الماء ..
لم يكن " عااااا " يدرك أن هديته سوف يكون لها كل هذا التأثير المدهش على سلوك " هااااا " تجاهه .. لقد بدأت تعامله بشكل جميل لم يعهده من قبل ، و منذ تلك اللحظة تغير سلوك صاحبنا تماماً ، بدأ يقتل الحيوانات و الزواحف ليسلخها و يعود بجلودها إلى " هااااا "
و بذلك بدأت أولى أنواع الملابس و الأحذية و الحقائب في الظهور ، و استمرت حتى الان .. بعد ذلك بدأت مرحلة الاكسسوار ، بدأ يفكر في تزيين تلك الجلود و أنياب الحيوانت المتوحشة يصنع منها عقوداً و حلقاً ، إلخ ..
و الآن .. صاحبنا عرف طعم السعادة .. لذلك بدأ يكتشف بقية الحروف و خاصة حرف الضاد و الراء و أضافها لصيحته فأصبحت " عاااااضر " ..
ثم اختفت العين فأصبحت حا .. و بدأ يقول لها دائما : " حاااااضر "
أما هي .. فقد اكتشفت حرف التاء فأصبح اسمها : " هااااات " ..
و منذ تلك اللحظة تلخصت العلاقة بينهما في كلتا الكلمتين الخالدتين :
- " هات ..
- " حاضر " ..!
No comments:
Post a Comment